- التنمية الاقتصادية بعد «الربيع العربي»
تاريخ النشر :28 مارس 2012
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
اهتمام قادة الدول العربية بمواطنيها كان اضحوكة انطلت على الشعوب تتجلى في اهمالهم لكل مقومات التنمية منذ نصف قرن. الان المطلوب ربيع عربي اقتصادي يزيح آثار الاهمال.
ان التخلف العلمي ليس قدرا على الامة العربية، وليس خيارا طوعيا لشعوبها، بل هو تقاعس وتقصير وعدم كفاءة من حكومات وانظمة فرضت نفسها على الامة وحولتها إلى مؤخرة الركب الحضاري تعاني مشاكل البطالة والفقر وسوء التعليم، بالاضافة إلى آفات الحكم السائدة من فساد وتسلط. لذلك عندما نسمع عن جهود في مجال الاقتصاد والعلم والانتاج على المستوى العربي نتذكر مستوى الاهتمام الذي أولته الانظمة بمستقبل المواطن ونصاب بنوع من الوجل والحذر وعدم التصديق بما يقال.
في مثل هذه الظروف التي تمر بها المنطقة العربية يتطلع المرء إلى بدء نهضة علمية واقتصادية حقيقية تواكب الصحوة السياسية حتى ان تأخرت بعض الشيء إلى ان تتمكن المجتمعات من التخلص من تأثير المخاض وتهدأ وتستقر الاوضاع.
في دراسة لمركز الخليج للدراسات الاستراتيجية خلصت إلى ان العالم يحتاج إلى ربيع اقتصادي بعد الازمات المالية التي عصفت به، وبخاصة الدول العربية التي تعرضت للثورات والتي عانت تدهورا في الاوضاع الامنية وانخفاضا في الايرادات وتراجعا في النمو مقابل ارتفاع معدلات الفقر والبطالة ليس بسبب الثورات بل بسبب عقود من الاستبداد والفساد.
تشير الدراسة ايضا إلى ان التعافي العالمي والعربي في انتظار جرأة سياسية في محاسبة الطبقة الغنية التي أثرت في وقت الرخاء او بالأحرى في وقت الفساد واستغلال السلطة والهيمنة على الثروة. وفي عالمنا العربي فان الفئة الصغيرة نفسها التي أثرت وفرضت قوانين تخدم مصالحها مطالبة اليوم بالنظر في مصلحة الوطن والمجتمع والتخلي عن السلطات السياسية التي مكنتها من انتهاك الحقوق ومراكمة الثروات على حساب الطبقات الفقيرة، فهل يمكن لهذه الفئة التي اذلت مجتمعاتها من اجل السلطة والمال ان تتخلى عن مكتسباتها ومزاياها وتهتم بمستقبل الامة وتطورها العلمي والتكنولوجي؟
العالم العربي اليوم بحاجة إلى ثورة تغير مفاهيم قيمية واقتصادية كثيرة كانت تناسب تلك الفترة الفاسدة والخاملة والمستكينة سياسيا والمتشبثة امنيا بالسلطة. بالنسبة إلى الاقتصادات الغربية فان المديرة العامة لصندوق النقد الدولي ترى حاجة إلى ثورة في التخطيط والدراسة، فهل ينفع هذا العلاج مع اقتصادات عالمنا العربي والخليجي؟
تقول الدراسة التي أعدها مركز الخليج للدراسات ان البحث عن طرائق الاستثمار الناجح لا يمكن ان يتم إلا بعد القضاء على الفساد المالي والإداري الذي نخر اقتصاداتنا المتداعية. تخلص هذه الدراسة إلى ان المال وحده لا يكفي لتحقيق أهداف التنمية، فتقدم التنمية يعتمد في نهاية المطاف على «أسلوب الحكم العادل» الذي يؤمن الاستقرار ويحفز النمو، بعدها يمكن ان نطالب بخطوات أخرى مثل تطوير القدرات على جذب الاستثمار، ووضوح وعدالة ونفاذ القوانين والسيطرة على الدين العام، وفتح أسواق الغرب وفق قواعد تجارية نزيهة، ومساعدات مالية على غرار خطة مارشال.
في حلقة نقاشية نظمها المعهد العربي للتخطيط (الكويت 19 ديسمبر 2011) يرى المدير العام للمعهد ؟ بدر مال الله «ان الدول العربية اخفقت خلال العقود الخمسة الماضية في تحقيق تنمية متوازنة ومستدامة وعادلة» على غرار ما تحقق في دول مثل البرازيل والهند وسنغافورة وغيرها، واصبح الاصلاح الاقتصادي الآن ضرورة ملحة ليتكامل مع التغيير السياسي، ومن دون التنمية لا يمكن للديمقراطية ان تعيش كما لا يمكن للاستقرار ان يستتب.
في الحلقة النقاشية نفسها يثير «د.احمد الكواز- المستشار في المعهد العربي للتخطيط – الكويت» تساؤلا حول اسباب عدم تمكن الدول النامية (ومنها الدول العربية) من اجراء تحولات تنقلها إلى مصاف الدول المتقدمة، ويسيق حزمة من الشروط لحدوث هذا التحول، منها 1) وجود رأسمال بشري قابل للتطوير أي لا يصطدم بعوائق من مؤسسات «رسمية» وغير رسمية او عوائق سياسية وثقافية. 2) توافر الادارة السياسية النزيهة وما يتبعها من ادارة اقتصادية، فكيف تكون الادارة السياسية والاقتصادية فاعلة في عالم يرفض الاصلاح ويتشبث بالسلطة؟ 3) وجود الطبقة الوسطى المؤهلة فهي المحرك لهذه التنمية والقاطرة التي تقود المجتمع نحوها، فالعوامل التي تسهم في بناء وعي هذه الطبقة الوسطى تتم من خلال «التمثيل البرلماني الحر» 4) ضرورة تدخل رشيد من الدولة.
لا توجد أي من هذه الشروط في معظم دولنا العربية إلى الآن والامل معقود على نجاح الديمقراطية في مصر وتونس وباقي دول الربيع العربي، وبالتالي فان ثمة حاجة إلى تكوين منظومة من القيم من خلال التعليم والمشاركة السياسية تسهم فيها الدولة برؤية مدنية واضحة.
وتشير الدراسة إلى ان الدول العربية، في ظل الانظمة الفاسدة، تتحمل مسئولية التخلف بارتكابها اخطاء جساما وطرح اسئلة مضللة ساعدها في ذلك ضعف المساءلة والمشاركة السياسية والهيمنة الاعلامية. ومن هذه الاسئلة المضللة 1) التركيز في معدل النمو او استقرار الاقتصاد كشرط لجذب الاستثمارات، 2) تعديل الخلل في سوق العمل، 3) ماهية السياسة النقدية. بينما السؤال الاهم في نظر المعهد هو: ما هي محددات التنمية؟ وليس مقدار النمو. واهم المحددات هي ليست اقتصادية بل قضايا مثل سيادة الاعراف على القوانين والمؤسسات الدستورية، وفقدان الحياة الدستورية على الرغم من وجود دستور، وعدم وجود مشروع نهضوي، وعدم وجود نظام تعليمي يخدم مشروع النهضة. وأكد احمد الكواز ان الحل ليس اقتصاديا بل سياسيا واجتماعيا وثقافيا.