- الى كل من يعز عليه هذا الوطن
تاريخ النشر : 5 نوفمبر 2009
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
انه لامر مؤسف ان نرى ما يدور في البحرين من احداث وشغب وعنف، وقد اثر في جميع افراد المجتمع وآلمهم وفاة للشاب علي جاسم وما تعرض له افراد الامن العام والمواطنين من اصابات وما جرى من اضرار للمتلكات ناهيك عن تعكير صفو الاحتفالات بالعيد الوطني وعيد الاضحى. ان من قام بتنظيم يوم الشهيد في هذا التوقيت اقل ما يقال عنه انه اختيار غير موفق. مع قناعتنا بان حق الاحتجاج مثل التظاهر والاعتصام والاحتجاج مكفول دستوريا لكن لا بد وان يلتزم الجميع بالقوانين وباسلوب حضاري وتصعيد مسئول، اما ماحدث فهو مرفوض ويضر باي قضية. كما اود ان اشيد بالوعي الكبير الذي ابداه العديد من الكتاب والمواطنين برفض ربط ما جرى بالطائفية وعدم تحميل مسئوليته الى طائفة معينة وحصره في حجمه بالرغم من جسامته.
ندرك ان هناك قضايا سياسية واقتصادية مازالت عالقة وان التلكؤ في معالجتها يوفر ذريعة يستخدمها كل من يريد بالبحرين سوأ، ويستغلها في تجنيد المزيد من الشباب في نهج العنف المرفوض. لذلك فان ماحدث يضع مسئولية على مختلف شرائج المجتمع من المواطن، ومنظمات المجتمع المدني والجمعيات السياسية والبرلمان والحكومة لوضع العلاج لهذه القضايا وسحب البساط من تحت اقدام المغرضين. وهذا يحتاج الى حوار وطني حضاري، ليس لتحديد القضايا والتي اصبحت واضحة، بل لتعريفها والاتفاق على اسبابها وكيفية مواجهتها.
ولكي يكون الحوار حضاريا ومثمرا ويلتزم بالمصلحة الوطنية يجب ان يرتكز على اسس واطركي لا يخرج عن اهدافه. واول هذه الاسس هي عروبة البحرين واستقلالها ضمن المنظومة الخليجية والعربية والاسلامية. وثانيا شرعية الحكم كما ورد في الميثاق والدستور واعتباره امرا محسوما كما اقر به 98% من افراد المجتمع، وثالثا احترام القانون وتطبيقة بالتساوي على الجميع، ورابعا الاقرار بان العدل اساس الحكم والشعب مصدر السلطات. وما عدا ذلك كل شيئ قابل للحوار.
ونظرا لكون البرلمان يمثل الشعب فان عليه ان يتحمل المسئولية وان يقود هذا الحوار بعيدا عن التوترات الطائفية وان يركز على القضايا الحقيقية التي ترهق المواطن ولا اقصد فقط القضايا المعيشية والتوظيف بل كل القضايا العالقة مثل المسألة الدستورية وقضية العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة والفساد والبيئة والسواحل والتجنيس. كما عليه ان يحدد اولوياته ضمن مثلث تنموي يشمل اولا: الامن القومي بمفهومه الشامل ضمن المنظومة الخليجية، وثانيا: قضية التنمية المستدامة، وثالثا: ان يهتم بشكل خاص بقضية الديموقراطية وتعزيزها من خلال الدفع بالتعديلات الدستورية وتفعيل دوره التشريعي وتعديل لائحته الداخلية. اما ما يجري الان من تركيز على قضايا صغيرة، مهما كانت هامة وعاجلة سوف تؤخر المسيرة وتؤدي الى استمرار التوترات وتفاقم الوضع وتزيد من الاحساس بالياس لدى المواطن.
كذلك تتحمل الحكومة مسئولية كبيرة في حلحلة الوضع والكف عن سرد الانجازات التي لا تؤثر في تحسين المستوى المعيشي للمواطن ولا تساهم في معالجة القضايا السياسية وتعزيز الديموقراطية. لقد بذلت الوزارات الكثير من الجهد في معالجة قضايا هامة مثل الاسكان والتوظيف والتعليم والصحة غير ان ذلك مازال دون مستوى تطلعات المواطن اذا ما قيس بالمدة الزمنية والموارد المتاحة منذ اعلان الميثاق. مازالت الحكومة تعمل كوزارات منفصلة كل يحاول بشكل منفرد التصدي لمشاكل متشابكة تحتاج الى رؤية مشتركة طويلة المدى. فمثلا لا يمكن لوزارة العمل ان تعالج قضية البطالة دون وجود رؤية اقتصادية واضحة واستراتيجية حكومية باهداف محددة. نحتاج الى رؤية واهداف تترجم تطلعات المواطنين وممثليهم والمجتمع المدني الى واقع ضمن مدة محددة واهداف واضحة ومؤشرات اداء بعيدة عن التظاهر والتسابق للجوائز، وان تساهم في الحوار الوطني برغبة صادقة في ايجاد الحلول وليس فقط تغطية الجروح.
وهناك جهة اخرى هامة لا بد ان تساهم مساهمة فعالة وجادة في تخطي هذه المرحلة وهم اصحاب الفضيلة والسماحة رجال الدين. هناك نسبة ليست بالقليلة من التصعيد الطائفي يعود الى مايقوم به بعض رجال الدين، من الطائفتين، من تأجيج بقصد او بغير قصد، ولكن نتائجه وخيمة ويؤدي الى الشحن الطائفي. يجب ان يدرك رجال الدين ان الخلافات المذهبية لن تنتهي وتأجيجها بهذا الشكل لا يمكن الا ان يوصف بصب الزيت على النار. وللاسف فقد برزت بعض التصريحات التي نشتم منها رائحة الطائفية. لذلك على رجال الدين المشاركة في الحوار بهدف المساهمة في التنمية والارتقاء الى مستوى المسئولية والنظر الى المجتمع على انه بحاجة الى اصلاح من الاعلى الى الاسفل وليس التركيز على اصلاح الفرد فقط.
وبطبيعة الحال هناك جهات اخرى مؤثرة يتوجب عليها ان تتطلع بدورها مثل الصحافة والتي وردت لها دعوة من جلالة الملك لجعلها اكثر حرية وتعبيرا عن ما يدور في الشارع من قضايا وان تسمي الاشياء بمسمياتها بدلا من التلميحات. وهناك كذلك منظمات المجتمع المدني المختلفة التي مازالت مغيبة ولا تساهم في الحوار الوطني بشكل فعال، وقد حان الوقت ان تُسمع صوتها وتساهم في وضع وبلورة التصورات والرؤى. واخيرا هناك المعني الرئيسي بكل ما يدور وهو المواطن العادي الذي اختُطف صوته بسبب سلبيته التي اعتادها منذ السبعينات والتي لم يتحلل منها الى اليوم. وختاما نسأل الله الخير لبلدنا والهداية لكل من يعز عليه هذا الوطن ويتالم لما يدور.