نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. تقرير الرقابة المالية وصحوة المجلس النيابي

  تاريخ النشر :٢٣ يناير ٢٠١٣ 

 بقلم : د. محمد عيسى الكويتي 

مجلس النواب يقر بعجزه في مواجهة الفساد ويستنجد بالحكومة  والنيابة وديوان الرقابة؟ مفارقة وتناقض؟ ويوافق على مضض انشاء هيئة مكافحة الفساد. فهل يجدي ذلك في فساد متجذر؟

http://www.akhbar-alkhaleej.com/12724/article/4194.html

بلغ السيل الزبى يقول النواب في جلستهم يوم الثلاثاء 15 يناير التي تناولوا فيها قضية الفساد وتقارير الرقابة المالية والإدارية الأخير. من مداولاتهم يستشعر القارئ بمدى إحساسهم بالعجز إزاء هذه الآفة المزمنة التي تنخر المجتمع وتتسبب في زعزعة الاستقرار وتقتطع من معيشة وأرزاق الناس وبالأخص الفقراء منهم. يقول النواب إن الحكومة والنيابة والرقابة لا يحاسبون المخالفين على تجاوزاتهم. 

 تناوب أعضاء المجلس في مطالباتهم ودعواتهم ومناشدتهم لتنفيذ التوصيات ومحاسبة المفسدين. من الغريب أن يلجأ النواب للمناشدة والمطالبة والدعوة وهم السلطة التشريعية التي من المفترض ان تضع الحلول. فمثلا دعا النائب عبدالحليم مراد إلى أن يحيل الديوان جميع المخالفات إلى النيابة وملاحقة المتجاوزين قضائيا. في حين يقول علي زايد: «نطالب الحكومة بتنفيذ جميع التوصيات ومحاسبة جميع المفسدين». ويضيف السعيدي بالتساؤل عن «ماذا حققنا منذ عام ,,.2002 والفساد يتنقل من وزارة إلى وزارة بالملايين»؟

 نرى ان أكثر النواب صراحة ووضوحا هو احمد الساعاتي الذي وضع الكرة في ملعب النواب (مع الاعتذار لمنتخبنا الوطني) بقوله إن المجلس لا «يستطيع محاسبة الوزراء بسهولة». هنا يقر النائب بضعف مجلس النواب، ويقر بضرورة قيام الحكومة بمساءلة مسئوليها. فمن الذي سيحاسِب ومن سيحاسَب. وإذا ما تعذر ذلك فما هو دور المجلس وكيف يحاسَب من قصر في القيام بالمحاسبة؟ وأكمل إن «تكرار رصد المخالفات من شأنه الإساءة إلى سمعة البحرين الدولية، وأن يفقد المواطن الثقة تجاه حكومته التي لم تحاسب المتجاوزين» أخبار الخليج 16 يناير.

 من وجهة نظر ديوان الرقابة فإن مسئولية التحقيق في التجاوزات هي مسئولية «الحكومة والوزارات التي تحدث فيها هذه التجاوزات والشبهات وان مهمة الديوان هي إبلاغ الجهات المعنية» فقط. وأضاف أن المسئول عن التحويل إلى النيابة هو الجهة نفسها التي تتبعها المخالفة. ويختم مداخلته بأنه «لا توجد أنظمة فعالة» لوقف الفساد والتجاوزات. وهذا يتفق مع ما قالته النائبة سوسن تقوي إن هناك فسادا منظما وحرفية وليس هناك رادع تجاه المتجاوزين». هذه العبارات تنم عن شعور بنقص في المنظومة الدستورية والقانونية والتنظيمية التي تحارب الفساد. ماذا فعل المجلس لإصلاح ذلك؟ وهل بإمكانه من دون إصلاحات سياسية تقود إلى مساءلة فعلية على جميع المستويات ومشاركة حقيقية في السلطة والثروة؟

 في محاولة من لجنة التشريع بمجلس النواب للامساك بملف الفساد والتجاوزات تم طرح هيئة مكافحة الفساد مجددا ووافقوا عليها من حيث المبدأ. ونتساءل لماذا تم رفض المقترح من قبل؟ لم يتغير الوضع بين اليوم والأمس الذي تم رفض تشكيل الهيئة، فما هي المستجدات؟ وطالب رئيس لجنة التشريع بوجود قانون يمنح «صلاحيات اكبر لهذا الجهاز للتعرف على الفساد والقضاء على المفسدين». فهل سيقوم المجلس بسن مثل هذا القانون؟

 محاربة الفساد ليس بالأمر الهين ويجب ان لا ننساق وراء وهم بأن مجرد إنشاء مثل هذه الهيئة أو سن هذا القانون سوف يقضي على الفساد. محاربة الفساد يحتاج إلى منظومة متكاملة من التشريعات والتنظيم والتعديلات الدستورية والتحولات السياسية وتغيير في العقلية السائدة في الدولة لكي نستطيع ان نمسكن ببداية الخيط. هذا لا يعني انه لا يمكن تحقيق ذلك ولكن الخطوة الأولى هي وجود الإرادة القوية ومواجهة المفسدين مواجهة فاعلة مستندة على المنظومة المتكاملة تعطي المجلس القدرة على إجراء تعديلات دستورية وإنشاء مؤسسات مستقلة قادرة على التحري وتتبع الفساد والإيقاع به. وثانيا قدرة على الردع من خلال قانون عقوبات يطبق على الجميع، وثالثا وقف جميع أنواع الإفساد بالمال والأراضي والهبات التي تفسد أخلاقيات الناس . 

 للمجلس دوران احدهما تشريعي ولم يقم خلال الثلاث سنوات الماضية بأي تشريع بل انه في الحالات التي تصدى لهذه المهمة فهو شرّع لإضعاف نفسه وإضعاف المجتمع. فهو من حيث لا يدري يساهم في التشريع للفساد إما بعدم الإسراع في سن قوانين مثل قانون حق الحصول على المعلومات؛ وإما في سن بعض التشريعات لمساعدة المفسدين مثال قانون حماية الوثائق الذي من شأنه ان يمنع أي شخص من الحصول على وثيقة قد تساهم في كشف الفساد أو تقديم دليل ضد مفسد. وكأنه يقول للفاسدين ان القانون سوف يحميكم فوق كل اعتبارات الحماية التي يتمتعون بها. أما المهمة الثانية فهي الرقابة والمجلس يقر بأنه غير قادر على القيام بذلك. 

 يقول المجلس النيابي للمجتمع في هذا الأسبوع إنه عاجز ولا يملك الأدوات الكافية لمحاسبة المتجاوزين والتصدي للفساد بأشكاله. ولذلك فهو يستنجد بالنيابة وديوان الرقابة والحكومة بالقيام بهذا الدور. ان التجاوزات التي تقوم بها الشركات المملوكة للحكومة فقط كبيرة جدا وتنم عن اطمئنان بعدم المساءلة والمحاسبة. وبدلا من تعديل صلاحياته والاستماتة في ذلك فانه يقر بعجزه ويطالب غيره بالقيام بالدور بل يشرع لإضعاف نفسه وإضعاف المجتمع.

 ومع ذلك فقد تقدم النواب بـ 34 توصية أهمها انه «على ديوان الرقابة المالية والإدارية إحالة جميع المخالفات التي تحقق من وقوعها وتوافرت لديه أدلة جدية على وجود جرائم جنائية تشكلها تلك المخالفات للنيابة العامة، وثانيا على مجلس النواب القيام باستخدام الأدوات الرقابية المقررة بموجب الدستور واللائحة الداخلية لمجلس النواب، ونتساءل هل هذه الأدوات كافية، ليس في رأي النائب عادل المعاودة الذي يقول «لن ينفع استجواب ولا بطيخ. المجلس مطالب بتقوية أدواته». نشاطر المعاودة الرأي بضرورة تقوية أدوات المجلس النيابي وهذا دور المجتمع والجمعيات السياسية لحماية موارده وأمواله بتقديم مشروع متكامل يقدم منظومة ليس فقط تضع حدا للفساد بل وقادرة على وضع اسس التنمية البشرية الشاملة وتحسين حياة الناس والمحافظة على كرامتهم.

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *