نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

التنمية في اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ٢٦ فبراير ٢٠٢٠ – 02:00

حددت الجمعية العامة للأمم المتحدة، في جلستها في 26 نوفمبر 2007, يوم 20 فبراير ليكون يوم الاحتفال بالعدالة الاجتماعية. كذلك حددت عام 2020 ليكون مناسبة «لجسر هوة التفاوت لتحقيق العدالة الاجتماعية». وأكدت ان إزالة الفوارق وأشكال التفاوت والتمييز تمثل القاعدة الأساسية في تحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية. وهو المبدأ الجوهري في بناء التعايش السلمي والتماسك الاجتماعي. كما ان العدالة الاجتماعية تتيح فرصة للجميع لبلوغ طاقاتهم الإنتاجية ومشاركتهم الاجتماعية. وبالتالي فالعدالة الاجتماعية ترتبط بالوصول إلى مستوى عال من التنمية والازدهار من جهة وصون كرامة الإنسان من جهة ثانية، وهما عمودا تقدم الدول ورقي الشعوب. تتحقق العدالة هذه باتخاذ الدولة موقف الحياد تجاه مختلف مكوناتها وتنوعاتها.

حددت الأمم المتحدة أهداف العدالة الاجتماعية في تحقيق التنمية من ناحية وصون كرامة الإنسان من ناحية أخرى، وترى ان تحقق العدالة الاجتماعية هو شرط أساسي لإزالة البغضاء والعداوات والشعور بالظلم لدى المواطنين، على ان تكون هذه العدالة محسوسة وملموسة وتنبذ الامتيازات تحت أي ذريعة. وتؤكد ان أي امن واستقرار يتم دون تحقيق هذه العدالة فهو امن مفروض وبكلفة عالية جدا من المعاناة النفسية ومن الموارد المادية ومن الرصيد الأخلاقي للدولة والمجتمع.

تبنت الأمم المتحدة في 10 يونيو 2008 ضرورة ضمان العدالة بين الدول في الحصول على نصيبها من العولمة تحت شعار «عولمة عادلة» لتضع بذلك بعدا اجتماعيا للعولمة يسعى لتحقيق نتائج عادلة للجميع. ينبع هذا التوجه من قناعة بدور العدالة الاجتماعية في تحقيق السلام والأمن وصونهما داخل الدولة وفيما بينها. وبالرغم من الجهود التي تبذلها الدول والمجتمعات ما زلنا بعيدين عن التغلب على شيوع الامتيازات وعدم المساواة في الدخول وفي الثروات وفي الحقوق السياسية والحريات الأساسية، بالإضافة إلى فوارق في أساسيات الحياة، كالحق في الرعاية الصحية والتعليم وغيرهما. وتنتهز المنظمات الأممية الفرص لعقد مؤتمرات تناقش فيها السياسات اللازمة للحد من عدم المساواة وتحقيق العدالة الاجتماعية للجميع. 

لذلك فإنه على مستوى الوطن العربي نحن في أمس الحاجة إلى مثل هذه المؤتمرات واللقاءات للتباحث في السياسات الكفيلة بإزالة هذه الفوارق حفاظا على استقرار دولنا. من السياسات الفعالة التي استخدمتها الدول لمعالجة التفاوت في الدخل والثراء هي الضرائب لتمويل الخدمات الاجتماعية والصحية والتعليم وباقي أجهزة الدولة. نجد ان معدل الضرائب في الدول الأوروبية مثلا (الاسكندنافية بالذات) تتدرج لتصل إلى نصف الدخل بالنسبة للأجور المرتفعة، كما تُفرض ضرائب على الثروات وعلى الميراث لتحقيق تكافل اجتماعي فعال يزيل الكثير من التأثيرات السلبية للتفاوت والامتيازات.

ولدراسة تأثير التفاوت واضراره قام الاقتصادي الفرنسي بيكيتي – في كتابه المطول بعنوان «رأس المال في القرن الواحد والعشرين» – بتتبع التفاوت في الدخل والثروة على مدى أكثر من مائتي سنة واتضح من التشريح ان آلية تراكم الثروة تكمن في ان معدل العائد السنوي على رأس المال اكبر من معدل النمو الاقتصادي مما يؤدي إلى تراكم الثروات. وهذه الزيادة المستمرة والمتصاعدة في زيادة الفوارق في الدخل والثروة تقضي على عناصر الحياة لدى الطبقة المتوسطة والفقيرة وتؤدي بالمجتمعات إلى الصراع العنفي وتهدد القيم الديمقراطية نفسها وتقوض الاستقرار. ويرى الحل في فرض ضريبة عالمية على الثروة والدخل لتجنب هروب رأس المال إلى دول أخرى ليس بها ضرائب.

تختلف طبيعة عدم المساواة والتفاوت في الدول العربية والخليجية، فكثير من الأزمات التي تمر بها الأمة العربية هي من نتاج عدم اتباع مبادئ العدالة الاجتماعية التي هي من صلب ديننا الحنيف. وعدم العدالة تولد النزاعات والحروب ومنها إلى التخلف وتراجع التنمية. وتراجع التنمية يقود إلى هجرة العقول وهجرة العمالة القوية القادرة. بلغت العمالة المهاجرة في العالم 258 مليونا، ونسبة لا بأس بها هم من العرب الذين وجدوا في المهجر بيئة مناسبة لنبوغهم وتطورهم وساهموا في بناء دولهم الجديدة. نذكر منهم أحمد زويل العالم المصري الحائز على جائزة نوبل في الكيمياء، ومؤسس شركة ابل ستيف جوبز (Steve Jobs) وهو من أبناء المهاجرين السوريين. 

الوضع القائم في الوطن العربي يجعل كل فرد فيه يتساءل لماذا تكثر النزاعات لدينا في حين تمكن الآخرون من معالجتها؟ والجواب – في جزء كبير منه – يعود إلى العدالة الاجتماعية. للعدالة الاجتماعية عناصر علينا ان نعمل من اجلها كأمة عربية. أول هذه العناصر ان يقتنع الإنسان العربي، حاكما أو محكوما، بأن الآخر أيضا إنسان وله نفس الحقوق وعليه نفس الواجبات. بناء هذه القناعة ليس عملا فرديا بل هو عمل مؤسسي تقوده الدولة بخلق مؤسسات تشاركية تحترم المال العام وتحترم جميع الحقوق وتفرض القانون على جميع المواطنين بالتساوي بغض النظر عن جنسه أو دينه أو عرقه. هذا من شأنه ان يحقق الكرامة الإنسانية وينشر الوعي المجتمعي بأهمية العدالة والاستعداد للدفاع عنها كقيمة مطلقة حثت عليها الأديان السماوية والثقافات المختلفة. هذا يتطلب حراكا على مستوى الوطن العربي يعمل على نشر تقبل التنوع وفهمه وتقبل الاختلافات الفكرية ومحاربة التحيز والتعصب بأشكاله المختلفة. 

دور الدولة في ذلك يكمن في تنمية البيئة الديمقراطية والمساءلة وتقوية منظمات المجتمع المدني من جهة، وتوفير فرص عمل تلبي احتياجات المجتمع وتعمل على تمكين الأفراد من الاستفادة من الفرص من جهة أخرى. هذه يعني خلق بيئة تنافسية على جميع الوظائف دون استثناءات تمييزية، وعدم ترك هذه المهمة للقطاع الخاص الذي قد لا يكون قادرا أو مستعدا لاتخاذ المخاطر والمجازفات في إقامة صناعات تخلق فرص عمل وترفع من النمو الاقتصادي وتعالج البطالة وتمول دولة الرفاه والرعاية الاجتماعية والصحية وتمويل تعليم عالي الجودة، وكذلك تقدم دعما متنوعا للفئات الضعيفة في المجتمع. فلا معنى للحرية والعدالة في مجتمع يكثر فيه الفقر أو غير معترف بوجوده.

mkuwaiti@batelco.com.bh 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *